المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية

المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية
ومدي تصور ارتكابه لجرائم انتخابيه وكيفية مواجهتها
- مقدمة
الشخصية القانونية هي القدرة على اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، والأنسان أهلاً للمسئولية بكافة أنواعها، فهو اذ يخطئ ويسبب خطئه ضرراً للغير يسأل بالتطبيق لأحكام المسئولية المدنية، وهو اذ يرتكب الجرائم يسأل بالتطبيق لأحكام المسئولية الجنائية متي كان متمتعاً بحرية الاختيار والادراك وانتفت لديه موانع المسئولية، ولا خلاف على ذلك تشريعاً وفقهاً وقضاءاً.
كما لا خلاف حول مسئولية الشخص المعنوي مدنياً وهو مجموعة من الأموال والأشخاص يتمتع بالشخصية القانونية، وانما الجدل احتدم حول المسئولية الجنائية له، بعبارة اخري هل يمكن أن يسأل الشخص المعنوي عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوه أو العاملين لديه باسمه وحسابه؟، هل يمكن إسناد الجريمة وإثارة المسئولية وتوقيع العقاب على الشخص المعنوي؟ إجابة هذا التساؤل بين مؤيداً ومعارض انعكست على موقف المشرع في الكثير من الدول ومنها مصر.
ويثور التساؤل أيضاً عما إذا كان يمكن ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم انتخابية علي وجه الخصوص وذلك في التشريعات التي أقرت مسئوليته أصلاً، أو استثناءاً، وإن تصور وقوعها فكيف يمكن مواجهتها؟
من خلال هذا البحث نحاول الإجابة على التساؤلات السابقة، ويمكننا تقسيم هذه الدراسة الي مطلبين الأول نعرض فيه للمسئولية الجنائية للشخص المعنوي والذي ينقسم بدوره الي فرعين الأول: الجدل الفقهي حول المسئولية الجنائية له، والثاني المسئولية الجنائية له في التشريعات المقارنة والتشريع المصري، أما المطلب الثاني فنرصده لمدي إمكان ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم انتخابية وكيفية مواجهتها والذي ينقسم بدوره الي فرعين الأول عن ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم انتخابية، والقاني لكيفية مواجهتها بحسب التحديد التالي.

- خطة البحث
المطلب الأول: المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية
تمهيد
الفرع الأول: الجدل الفقهي حول مسئولية الشخص المعنوي
الفرع الثاني: المسئولية الجنائية للشخص المعنوي في التشريع المقارنة والتشريع المصري
المطلب الثاني: مسئولية الشخص المعنوي عن الجرائم الانتخابية وكيفية مواجهتها
تمهيد
الفرع الأول: ارتكاب الشخص المعنوي جرائم انتخابية موقف التشريعات
الفرع الثاني: كيفية مواجهة الشخص المعنوي عندما يرتكب جرائم انتخابية

المطلب الأول
المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية
تمهيد: يقصد بالشخص المعنوي أو الاعتباري مجموعة من الأموال والاشخاص يعترف لها القانون بالشخصية القانونية التي تمكنه من اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، وقد عرفه القانون الروماني والقوانين الجرمانية التي ورثته، وعرفته الشريعة الإسلامية منذ بدايتها فكان فيها المسجد وبيت المال والمستشفى، على أن ثمة رأي في الفقه الاسلامي ينكر معرفة الشريعة له.
والاشخاص المعنوية العامة قد تكون اشخاصاً عامة اقليمية كالدولة والمحافظات والمدن وقد تكون أشخاصاً عامة مرفقية كالجامعات والمدارس والمؤسسات العامة. أما الاشخاص المعنوية الخاصة فقد تهدف الي الربح كالشركات وقد لا تهدف الي الربح كالجمعيات والاوقاف والاحزاب السياسية.
الفرع الأول
الجدل الفقهي حول مسئولية الشخص المعنوي جنائياً
انقسم الفقه الي اتجاهين اتجاه يعارض إمكان اسناد المسئولية الجنائية للشخص المعنوي، وآخر يري جواز إسناد المسئولية الجنائية للشخص المعنوي.
أولاً: الاتجاه التقليدي: معارضة المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية
يرفض جانب لا بأس به من الفقه قبول المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوه أو من يعملون لديه باسمه ولحسابه، فيقتصر العقاب وفقاً لهذا الرأي علي الشخص الطبيعي الذي ارتكاب الجرم دونما أدني مسئولية علي الشخص المعنوي، ويستند في ذلك على عدة مبررات أهمها ما يلى:
1- طبيعة الشخص المعنوي تجعل من المستحيل إسناد الجريمة إليه: فالشخص المعنوي مجرد فرض قانوني، لا تتوافر فيه الشروط اللازمة لقيام المسئولية الجنائية، إذ لا يمكن توجيه اتهام، وعقاب كيان لا يريد ولا يشعر، أي كيان يخلو من كل إرادة وإدراك.
2- تعارض المسئولية الجنائية للشخص الطبيعي مع مبدأ تخصيص الشخص المعنوي: فالقانون اذ يسمح بوجود شخص معنوي ويمنحه الشخصية القانونية، يخصص له أهدافاً اجتماعية لا يدخل بينها - بالطبع -ارتكاب الجرائم، فاذا وقعت جريمة ما بمناسبة شخص معنوي ، فإنه لا يتصور إسنادها إلى ذلك الشخص المعنوى ذاته ، وإنما تستند إلى الشخص الطبيعي الذى وقعت منه الجريمة، أو الاشخاص الطبيعيين الممثلين قانوناً لذلك الشخص المعنوى .
3- تعارض المسئولية الجنائية للشخص المعنوي مع مبدأ شخصية العقوبة : فالعقوبة شخصية يقتصر اثرها المباشر على شخص مرتكب الجريمة ، أما في حالة توقيع العقوبة على الشخص المعنوى ، فان العقوبة تصيب بدون تمييز كل الاشخاص الطبيعيين اعضاء ذلك الشخص المعنوى، وبالتالي تصيب - على السواء - الذين ارادوا الفعل غير المشروع ، والذين لم يريدونه.
4- عدم تناسب العقوبات الجنائية للتطبيق على الشخص المعنوي: وخاصة العقوبات السالبة للحرية. كما أن تطبيق عقوبات اخرى كالغرامة أو المصادرة أو اغلاق المنشأة يؤدى - في النهاية - إلى الاخلال بمبدأ شخصية العقوبات عندما يمتد أثر تلك العقوبات إلى الاعضاء الابرياء في الشخص المعنوى .
5- معاقبة الشخص المعنوي لا تحقق الأغراض المستهدفة من العقوبة: فلن تترك العقوبات ألم في نفس الشخص المعنوي لأنه لا يشعر، ولن تحقق العقوبة غرضها المتمثل في إصلاح المحكوم عليه بها وتأهيله وإعادة دمجه في المجتمع إذا ما طبقت على الشخص المعنوي، وإذا قيل بوجود عقوبات بديله يمكن تطبيقها عليه، فإنها ستعرض الشخص الطبيعي الذي يعمل عند الشخص المعنوي للضرر والبطالة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الاتجاه المناهض يسلم بجواز توقيع تدابير احترازية كالمصادر والحل ووقف النشاط والوضع تحت الحراسة أو الرقابة في مواجهة الشخص المعنوي متي شكّل خطورة علي المجتمع وهي مناط توقيع التدابير الاحترازية والتي لا تستلزم وجود مسئولية جنائية.
ثانياً : الاتجاه الحديث : تأييد المسئولية الجنائية للشخص المعنوي وإمكان إسناد الجريمة إليه
يتجه الرأي الغالب في الفقه الحديث إلي وجوب مساءلة الشخص المعنوي جنائياً عما ارتكبه الجاني الذي يعمل لحسابه اذا ما ارتكب الجرم باسم ولحساب ولصالح الشخص المعنوي، ويستند هذا الاتجاه الي دحض حجج الاتجاه السابق وصياغة حجتين يخصانه.
1- اعتبار الشخص المعنوى فرضاً قانونيا، لا تتوافر فيه الشروط اللازمة للمسئولية الجنائية، مردود عليه بأن وجود الشخص المعنوى حقيقة لا يمكن انكارها، وهذا ما يؤكده مساءلة الشخص المعنوى مدنياً ، فلم لا يسمح بمسئوليته الجنائية ، وخاصة أن الشخص المعنوى يستطيع أن يحقق الركن المادى لبعض الجرائم ، مثل جرائم التزوير ، وان كان لا يستطيع ارتكاب جرائم ضد الاخلاق، أو تلك التي تتجافي وطبيعته.
2- تعارض قبول المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية مع مبدأ شخصية العقوبات، فمردود عليه بأن ذلك يكون نتيجة لواقعة وليس نتيجة قانونية لحكم بمعنى أنه إذا كان صحيحاً تأثر الاشخاص الأبرياء ، فذلك ليس بنص القانون ، ولكنه يتأتى من ضرورة الأشياء ، حيث أن توقيع العقوبة بصفة عامة له آثاره التي تمتد إلى آخرين ابرياء ، فتغريم رب اسرة يؤدى بالضرورة إلى معاناة زوجته وأطفاله ، وكذلك عقاب الشخص المعنوى يؤدى بالضرورة إلى الإضرار بجميع الاعضاء ، وهذا ما يجعلهم أكثر حرصاً على اختيار ورقابة من يمثلونهم ، وذلك لإجبارهم على احترام القوانين وحقوق الغير .
3- عدم قابلية الجزاءات الجنائية للتطبيق على الاشخاص المعنوية، فصحيح بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية التي لا يمكن تطبيقها إلا على الأفراد، ولكن هذا لا يمنع من قابلية الجزاءات الجنائية الاخرى للتطبيق على الشخص المعنوي، الجزاءات الجنائية والادارية التي تتماشي معه.
4- تعارض قبول المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية مع مبدأ التخصيص : فيمكن القول بأنه لا يشترط دائماً أن يلتزم الشخص المعنوى بالأهداف التي خصصها له القانون ، حيث يمكن أن يقع منه فعل ما يخالف القانون وبالتالي يعد مسئولاً عنه، وإذا قبلنا القول بمبدأ التخصيص لتبرير عدم المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية ، فذلك سيؤدى إلى نتيجة غريبة تتمثل فى السماح للأشخاص المعنوية بارتكاب الجرائم دون عقاب .
5- معاقبة الشخص المعنوي لا تحقق الأغراض المستهدفة من العقوبة، مردود عليه بأن وظائف العقوبة لا تنحصر في الإصلاح والتأهيل، وإنما تمتد لتحقيق الردع والوقاية والمنع، وهذان الغرضان يمكن أن يتحققا بالنسبة للشخص المعنوي. بل أن البعض ذهب الي أن الوضع تحت الحراسة والرقابة القضائية تفيد في إصلاحه.
6- ويستند الرأي المؤيد الي حجة مؤداها أن مساءلة الشخص المعنوي جنائياً واجبة بحسب مقتضيات الواقع الذي أصبح معه الشخص المعنوي قوة اقتصادية واجتماعية لا يستهان بها في كافة المجالات فهي بما تملكه من إمكانيات تستطيع أن تقوم بما لا يستطيع أن يقوم به الأفراد في مجال ارتكاب الجرائم وتكون مصدراً لاعتداءات جسيمة على الصحة العامة والبيئة والنظام الاقتصادي والتشريعات الاجتماعية، ولا أدل على ذلك من حادث قطار البدرشين 2013 والذي راح ضحيته الكثير من القتلى واقعد الكثير من المصابين في المستشفيات، فلو مات سائق القطار بحسب أنه الشخص الطبيعي الذي يمكن مساءلته عن القتل والاصابات الغبر مقصودة فإن الدعوي الجنائية تنقضي بالوفاة وتفلت السكك الحديدية وهي شخص معنوي من العقاب.
7- بالإضافة الي ذلك فإن إسناد المسئولية الجنائية للشخص المعنوي يتفق ومقتضيات العدالة والتي تستوجب إلا يفلت الشخص المعنوي من المعاقبة ويعاقب الشخص الطبيعي الذي أتي الفعل الآثم قانوناً لحساب ولصالح الشخص المعنوي وبقرار صادر منه، فمساءلته توفر حماية أفضل للمجتمع من الإجرام.
وأخيراً ومما تجدر الإشارة إليه أن الشريعة الإسلامية بحسب الرأي القائل بمعرفتها للشخص الطبيعي، لا تأبي مساءلة الشخص المعنوي عن الجريمة، فإن كان فقهاء الشريعة يقرون بأن قوام المسئولية الجنائية حرية اختيار وادراك وهما منعدمان في الشخص المعنوي، إلا أن الشريعة الغراء أعطت لولي الأمر وفقاً لنظرية التعزير أن يتخذ التدابير التي يراها ضرورية في حالة انعدام مسئولية الجاني - فقد قام رسول الله بهدم مسجد الضرار، ولا نجد رادعاً للشخص المعنوي الذي يرتكب الجريمة وتضر بمصالح الجماعة سوي العقوبة، وبناءاً عليه لا يوجد ما يمنع شرعاً من تقرير المسئولية الجنائية للشخص المعنوي.
الفرع الثاني
المسئولية الجنائية للشخص المعنوي في التشريع المقارنة والتشريع المصري
انعكس الخلاف الفقهي حول مسئولية الشخص المعنوي جنائياً علي التشريعات والتي يمكن إرجاع موقفها الي اتجاهين الأول يقر المسئولية أصلاً ويستثني بعض الاشخاص المعنوية منها أو بعض الجرائم كالتي لا يتصور وقوعها منه لجرائم الاغتصاب والزنا، والثاني لا يقرها اصلاً ويعاقبه علي بعض الجرائم استثناءاً، وقد اقرت العديد من الدول العربية هذا النوع من المسئولية.
أولاً: التشريع الانجليزي والامريكي
لم يأخذ التشريع الانجليزي بهذا النوع من المسئولية بين ليلة وضحاها وأن كان الاقدم في ذلك، وانما كان إقراره لها وليد تطوراً بدايته عدم اعتراف المحاكم الانجليزية بالمسئولية الجنائية للشخص المعنوي. أما الأن وقد استقر المشرع الانجليزي علي جواز مساءلة الشخص المعنوي جنائياً فإن الفقه يميز بين صورتين للمسئولية الجنائية للشخص المعنوي في التشريع الانجليزي.
الصورة الأولي: وهي المسئولية المادية بدون خطأ أو عن فعل الغير أو تلك التي لا يستلزم لها القانون ركن معنوي مثل جرائم تلويث الماء والهواء وجرائم القذف بطريق النشر ولوائح المرور، هذه الجرائم اذا اقترفها شخص طبيعي يعمل باسم ولحساب شخص معنوي فإن الشخص المعنوي يسأل جنائياً عنها.
الصور الثانية: المسئولية الجنائية للشخص المعنوي استناداً الي الخطأ الشخصي أو توافر الركن المعنوي، وفقاً لنظرية تشخيص الشركة فإن الشخص المعنوي يديره ويمثله ويعمل لحسابه أشخاصاً طبيعيين، هؤلاء إذا ارتكبوا جرائم بصفتهم الوظيفية ولحساب الشخص المعنوي فإن هذه الاخير يسأل جنائياً معهم.
وللمسئولية الجنائية للشخص المعنوي في التشريع الانجليزي نطاق: اذ يمكن مساءلته عن كافة الجرائم وفقاً للضوابط الآتية:
1- أن تدخل في إطار المسئولية المادية أو القائمة على خطأ شخصي يمكن نسبته إليه، وتتعدد المسئولية بينهما فيسأل الشخص الطبيعي وكذلك المعنوي جنائياً.
2- لا يسأل عن الجرائم التي يرصد لها المشرع عقوبة الاعدام والحبس، وإن كان يمكن استبدالها بالعقوبات التي تتفق وطبيعته وفقاً لتدخل المشرع.
3- لا يسأل عن الجرائم التي تتجافي وطبيعته وإن كان من الممكن أن يسأل بوصفه شريك فيها.
4- أن يرتكب الشخص الطبيعي الجريمة بصفته الوظيفية باسم ولحساب الشخص المعنوي، وألا تضر الجريمة الشخص المعنوي، اذ لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي عن جريمة لم تقترف لصالحه.
سار التشريع الامريكي علي نهج التشريع الانجليزي فيما يتعلق بتطبيقات المسئولية الجنائية للشخص المعنوي، فنجد القضاء الامريكي يعاقب الشركات والهيئات بالغرامة عن الجرائم التي تقع بالترك لعدم قيامها بواجبها في صيانة الطرق وبناء الكباري، ويقرر مسئولية شركة جنائياً لقيامها بإصدار فصلاً يخدم الحياة وذلك بقصد التأثير علي أصوات الناخبين، ونجد المشرع الامريكي يتدخل بنصوص تشريعيه صريحة مقررة المسئولية الجنائية للشخص المعنوي، ونجد المحكمة الاتحادية الامريكية ترفض الدفع بعدم دستورية قانون يسمي بمسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية.
ثانياً: التشريع الإماراتي:
اعترف المشرع الاماراتي بالمسئولية الجنائية للشخص المعنوية حين نص في م65 من قانون العقوبات الاتحادي على أنه " الاشخاص المعنوية فيما عدا مصالح الحكومة ودوائرها الرسمية والهيئات والمؤسسات العامة مسئولة جنائياً عن الجرائم التي يرتكبوها ممثلوها أو مديروها أو وكلاؤها لحسابها وباسمها. ولا يجوز الحكم عليها بغير الغرامة والمصادرة والتدابير المقررة للجريمة قانوناً، فإذا كان القانون يقرر للجريمة عقوبة أصلية غير الغرامة اقتصرت العقوبة علي الغرامة والتي لا يزيد حدها الأقصى علي خمسين ألف درهم، ولا يمنع ذلك من معاقبة مرتكب الجريمة شخصياً بالعقوبات المقررة لها في القانون".
ويلاحظ من خلال النص: اعتراف المشرع الاماراتي بالمسئولية الجنائية للشخص المعنوية، متي أرتكبها شخص طبيعي يعمل لحساب وباسم الشخص المعنوي والمسئولية تتعدد بينهما، ولا يوقع على الشخص المعنوي سوي العقوبات التي تتماشي وطبيعته.
ثالثاً: التشريع الفرنسي
أقر قانون العقوبات الفرنسي الجديد الصادر سنة 1992 المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية. وقد قضي هذا القانون بأن الاشخاص المعنوية - باستثناء الدولة - مسئولون جنائيا طبقا لأحكامه وفى كل الحالات المنصوص عليها بواسطة القانون أو اللائحة عن الجرائم المرتكبة لحسابهم بواسطة اعضائهم أو ممثليهم.
ويلاحظ أن المشرع يستثني الدولة مطلقاً اذ انها صاحبة الحق في العقاب فكيف لها أن تعاقب نفسها، ويستثني الوحدات الإقليمية بضوابط معينة، ولكنه يخضع كامل الأشخاص العامة الأخرى للمسئولية وكذلك كامل الأشخاص المعنوية الخاصة للمسئولية الجنائية خضوعاً لمبدأ المساواة بين الشخص الطبيعي والمعنوي أمام القانون
وتجدر الإشارة أن المشرع الفرنسي علق المسئولية الجنائية للشخص المعنوي على نص في القانون أو اللائحة. وتناول العديد من الجرائم التي يتصور وقوعها منه، وهذه امثلة لها: تناول تحديد كل من الجنايات والجنح فى القسم التشريعى من قانون العقوبات ما يضر بالأشخاص أو الاموال، وأمثلتها جريمة القتل والجرح العمدي وغسيل الامول وجرائم المعلوماتية والسرقة والنصب والارهاب والتزييف أما المخالفات فينص عليها فى القسم اللائحى، وأمثلتها السب والذف ومخالفة قوانين التسعيرة.
ويلزم توافر شرطان لقيام مسئولية الشخص المعنوي جنائياً في القانون الفرنسي أولهما: ضرورة أن ترتكب الجريمة بواسطة عضو أو ممثل للشخص المعنوى وهذا يفترض أن الشخص المعنوى لا يسأل جنائياً إلا إذا ارتكب الجريمة شخص طبيعي. وثانيهما ضرورة أن ترتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوى.
ويوقع عليه نوعان من العقوبات: عقوبات مقررة للجنايات والجنح التي تقع من الشخص المعنوى، وهناك عقوبات مقررة للمخالفات التي تقع منه. ومن العقوبات المقررة للجنايات الجنح الغرامة والحل والمنع النهائي أو المؤقت من ممارسة النشاطات المهنية أو الاجتماعية أو من دعوة الجمهور للادخار أو إصدار شيكات، فضلاً عن الغلق النهائي أو المؤقت والمصادرة وإعلان الأحكام. أما عقوبات المخالفات فهي الغرامة التي يمكن أن يحل محلها واحدة أو أكثر من العقوبات المانعة أو المقيدة للحقوق كالمنع من إصدار شيكات لمدة لا تزيد عن سنة أو مصادرة الشيء الذي استخدم أو أعد لارتكاب الجريمة أو تحصل عنها.
رابعاً: التشريع المصري
- القاعدة العامة: عدم الاعتراف بالمسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية
المبدأ هو عدم إقرار المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية، فلا يوجد فى قانون العقوبات المصرى نص يقرر تلك المسئولية بصفة عامة، فالرأي السائد فقهاً وقضاءاً أن المشرع لا يسأل الشخص المعنوي جنائياً، كما قضت محكمة النقض بأنه " الأصل أن الاشخاص الاعتبارية لا تسأل جنائياً عما يقع من ممثليها من جرائم أثناء قيامهم بأعمالها، بل أن الذي يسأل هو مرتكب الجريمة منهم شخصياً".
- الاستثنـاء: الاعتراف بالمسئولية الجنائية للشخص المعنوي في حالات معينة
1- المسئولية الغير مباشرة للشخص المعنوي: وطبقاً لهذا النوع من المسئولية يسأل الشخص المعنوي متضامناً مع الشخص الطبيعي عن تنفيذ العقوبات المالية المحكوم بها أو تكون ادانه الشخص المعنوي تابعة لإدانة الشخص الطبيعي.
ومن ذلك المادة 11 من القانون رقم 38 لسنة 1994. بشأن تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي التي تنص على أنه " يكون المسئول عن الجريمة فى حالة صدورها من شخص اعتباري أو إحدى الجهات الحكومية أو وحدات القطاع العام هو مرتكب الجريمة من موظفي ذلك الشخص أو الجهة أو الوحدة مع مسئوليته التضامنية معه عن العقوبات المالية التي يحكم بها " .
2- المسئولية الجنائية المباشرة للشخص المعنوي
هنا يسأل الشخص المعنوي مسئولية جنائية تؤسس علي الخطأ الشخصي واقترافه للجريمة بركنيها، فتحرك الدعوي الجنائية عليه دون استلزام شخص طبيعي يشاركه الجريمة ودون توقف علي ادانته ويوقع عليه الجزاء المنصوص عليه في النص الذي أقر مسئوليته.
ومن ذلك ما اقرته المادة 6 مكرراً من القانون رقم 48 لسنة 1941 بشأن قمع التدليس والغش والمعدل بالقانون 281 لسنة 1994 بأنه " دون إخلال بمسئولية الشخص الطبيعي المنصوص عليها في هذا القانون، يسأل الشخص المعنوي جنائياً عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون اذا وقعت لحسابه أو باسمه بواسطة أحد أجهزته أو ممثليه أو أحد العاملين لديه.
ويحكم على الشخص المعنوي بغرامة تعادل مثل الغرامة المعاقب بها عن الجريمة التي وقعت، ويجوز للمحكمة أن تقضي بوقف نشاط الشخص المعنوي لمدة لا تزيد عن خمس سنوات أو بإلغاء الترخيص في مزاولة النشاط نهائياً". ومن أمثله هذه الجرائم جريمة خداع المتعاقد أو الشروع في خداعه وجريمة غش أو الشروع في غش الانسان وجريمة استيراد أغذية مغشوشة.
ومن ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 22 من القانون رقم 146 لسنة 1988 والتى تنص على "معاقبة كل شخص طبيعي أو معنوى كان يعمل فى مجال تلقى الأموال... وذلك إذا أثبت عمداً بيانات جوهرية غير صحيحة ".
- هل كل الاشخاص المعنوية تخضع للمسئولية الجنائية أم ان ثمة تفرقة ؟
حتي يمكن إسناد الجريمة للشخص المعنوي يلزم أن يكون كذلك، والاشخاص المعنوية قد تكون عامة وقد تكون خاصة، هذه الاخيرة تخضع للمسئولية الجنائية الكاملة مثل الشركات التجارية والمدنية والجمعيات والاحزاب السياسية، وبغض النظر عن جنسيتها خضوعاً لمبدأ الاقليمية، ولكن القانون الفرنسي يسأل الشخص المعنوي جنائياً خضوعاً لمبدأ العينية متي أرتكب جرائم تمس أمن الدولة لديه مثل جرائم تزيف العملة.
ويثور التساؤل عن مدي خضوع الكيانات التي لا تكتسب الشخصية القانونية أو لم تكتسبها بعد للمسئولية الجنائية، وأمثلتها شركة المحاصة والشركات والجمعيات تحت الإنشاء والشركات أثناء التصفيه والاحزاب تحت الإنشاء.
تباينت مواقف التشريعات، فنجد أن التشريع الانجليزي لا يخضعها للمسئولية متي لم يرد النص علي ذلك في قانون مكتوب، فقط يسأل الشخص الطبيعي الذي أرتكب الجريمة حتي ولو ارتكبها لصالح الكيان الذي لا يتمتع بالشخصية القانونية، بينما تخضع للمسئولية الجنائية في القانون الهولندي، في حين أن المشرع الفرنسي لا يخضعها للمسئولية الجنائية والتي يخضع لها هو الشخص الطبيعي، وهذا المستفاد من قانون قمع التدليس والغش المصري والذي جاءت عبارته كل "شخص" ، كل "شخص معنوي"
وحول الاشخاص المعنوية العامة، لا تخضع في القانون الاماراتي للمسئولية الجنائية، بينما تخضع في القانون الانجليزي شريطة ألا تتصل الجريمة بأعمال السلطة العامة، ويستفاد من عبارات قانون قمع الغش والتدليس المصري أنه يجوز مساءلة الشخص المعنوي العام اذا ارتكب جريمة واردة بهذا القانون.
في حين أن القانون الفرنسي يستثني الدولة مطلقاً ويبرر الفقه ذلك في أن الدولة هي القائمة علي حماية مصالح المجتمع وهي صاحبة الحق في العقاب، وتخضع الوحدات الاقليمية والتجمعات كالمحافظات والمدن للمسئولية الجنائية شريطة أن تكون الجريمة ناتجة عن نشاط يمكن للوحدة الاقليمية تفويض الغير في إدارته مثل المرافق، أما اذا لم تكن تستطيع تفويض الغير في إدارته وتتمتع بامتيازات السلطة فلا تسأل عن الجرائم الانتخابية لأنها لا تستطيع تفويض شخص خاص في ادارته. ويلاحظ أنه في نطاق القانون الفرنسي تسأل الاشخاص المعنوية العامة – باستثناء الدولة ومراعاة القيود بالنسبة للمحليات – مسئولية جنائية كاملة، ولكنها مخففة فلا توقع عليها عقوبة الحل أو الوضع تحت المراقبة القضائية.
المطلب الثاني
مسئولية الشخص المعنوي عن الجرائم الانتخابية وكيفية مواجهتها
تمهيد
الجرائم الانتخابية، هي الجرائم التي يرتكبها الشخص بمناسبة ممارسته لحقوقه السياسية، أو بمناسبة معاونة شخص يمارس حقوقه السياسية، هذه الممارسة أو ذلك العون قد يتأتي عنه جرائم انتخابية يعاقب عليها القانون الانتخابي في أي دولة. ويقسم الفقه الجرائم الانتخابية عادة الي جرائم انتخابية متعلقة بالقيد، واخري متعلقة بالدعاية، واخيراً الجرائم الانتخابية المتعلقة بالتصويت.
واذا كانت القوانين الانتخابية في معظم دول العالم تحدثنا عن جرائم يرتكبها الشخص الطبيعي، فلقد ثار التساؤل عما اذا كان من الممكن أن يرتكب الشخص المعنوي جرائم انتخابية سواء أكان عام أم خاص، وسواء أكان المشرع في أي دولة يقر المسئولية أصلاً أو استثناءاً، وان تصور وقوعها فكيف يمكن مواجهتها بحسب أن هذه الجرائم اذا تنامت يكون لها بالغ الأثر في حياة الدولة وشعبها والتمثيل الحقيقي للناخبين.
الفرع الأول
ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم انتخابية وموقف التشريعات المقارنة والتشريع المصري
أولاً: تصور ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم انتخابية
1- الجرائم المتعلقة بالقيد الوحيد أو المتكرر المخالف لأحكام القانون
اذا ما تخلف احد الشروط اللازمة للقيد في جدوال الانتخاب أو توافر مانع من موانع مباشرة الحقوق السياسية، فإن القيد الذي يتم يكون مخالفاُ للقانون سواء كان وحيداً أم متعدد ويعاقب من يقيد نفسه أو غيره بالعقوبات الوارده في قوانين الانتخاب في مصر وفرنسا وغيرهما من الدول.
وإذا كان يمكن نسبة جرائم القيد للانسان دون خلاف، وللموظف العام الذي يقوم بالقيد بنفسه أو بطلب من صاحب القيد، فهل يمكن نسبة هذه الجريمة الي الشخص المعنوي الذي يتبعه الموظف ؟، ففي مصر تقوم وزارة الداخلية بكل الاعمال المتعلقة بالقيد وبعد عدة تعديلات علي قانون مباشرة الحقوق السياسية المصري، تقوم اللجنة العليا للانتخابات بإعداد قواعد بيانات الناخبين، وبعد إقرار الدستور المصري الجديد الصادر في 2012 تنتقل هذه الوظيفة الي المفوضية العليا للانتخابات بعد عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور، ولا شك في تمتع كل المؤسسات السابقة بالشخصية المعنوية وفقاً لقوانينها.
ونتجه مع البعض الي انه من المتصور قيام اللجنة العليا بقيد مخالف، ولكن لا يتصور قيام أي شخص معنوي آخر كالشركات أو الاحزاب السياسية بجريمة القيد المخالف للقانون، اذ ان هذا الشخص لا يتمتع بحقوق سياسية تخوله ذلك.
2- الجرائم المتعلقة بالدعاية الانتخابية
لا شك أن للدعاية السياسية أو الانتخابية أهمية قصوي، فهي بلا شك الوسيلة التي يتصل بها المرشح بالناخب، ولذلك اخضع قانون الانتخاب الفرنسي هذه الدعاية للعديد من القيود التي يمثل تجاوزها جريمة انتخابية.
ومن المتصور قيام الشخص المعنوي عام أو خاص بارتكاب جرائم تتعلق بتنظيم الدعاية أو بموضوعها وذلك علي مستوي التشريع الفرنسي أو المصري، فقد تخالف شركات الدعاية الانتخابية القواعد التي تنظم الدعاية الانتخابية في كلاً من مصر وفرنسا، ومن المتصور أن تنحاز أحد مؤسسات الدولة الي بعض المرشحين، ولا أدل علي ذلك مما كان يحدث قبل ثورة 25 يناير، اذ تقوم وزارة الاعلام عبر التلفزيون الحكومي بالترويج لمرشحين بعينهم. ومتصور قيام صحيفة حزب معين بجرائم السب والقذف لصالح مرشحيها، وهذا ما رأيناه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية 2011-2012.
3- الجرائم الانتخابية المتعلقة بالتصويت
هذه الجرائم تتصل أولاُ : بالتأثير المباشر علي الناخبين، وذلك بممارسة الضغوط المعنوية والمادية لحملهم علي اتخاذ موقف معين سواء التصويت لمرشح أو بالامتناع عن التصويت لآخر، ويتصور وقوع هذه الجرائم من الاحزاب السياسية وهي شخص معنوي ، ولا أدل علي ذلك من قيام بعض الاحزاب – بواسطة من يمثلونها - بحمل الناخبين علي التصويت بنعم في استفتاء الدستور المصري. وكذلك قيام وزارة الداخلية المصرية بإستجار بلطجية لممارسة العنف في الانتخابات للضغط علي الناخبين قبل ثورة 25 يناير، وليس هناك ما يمنع من قيام الاشخاص المعنوية بجرائم انتخابية للتأثير علي الناخبين في نطاق القانون الفرنسي. بالإضافة لذلك الوعود بهبات والقيام بشراء الأصوات لحساب شخص معنوي يساند مرشح بعينه.
وتتصل ثانياً: بالتصويت غير المشروع بناءاً علي تخلف شرط أو توافر مانع، كذلك سقوط حق التصويت، لا يتصور قيام الشخص المعنوي بهذه الجرائم لنفسه لانه لا يصوت ولا ينتخب. ولكن من الممكن أن تقوم اللجنة العليا للانتخابات باعتبار اشخاص معينين أدلوا بأصواتهم رغم انهم امتنعوا عن التصويت.
وتتصل ثالثاً: بالاخلال بانتظام عملية التصويت، لا يتصور تخلف الشخص المعنوي عن التصويت فهو لا ينتخب، بينما يتصور قيام رجال الأمن بالاخلال الامن والنظام وحرية التصويت وفقاً لأوامر قيادتهم بالتزام السلبية في التعامل مع كل ما يعكر صوف العملية الانتخابية وهذا ما كان يحدث في نطاق الانتخابات قبل ثورة 25 فهل يمكن نسبه هذه الجرائم لوزارة الداخلية وهي شخص معنوي؟
وأخيراً يتصور قيام شخص معنوي – احد مؤسسات الدولة – بالعبث بنتيجة الانتخابات لصالح مرشحين بعينهم، وجرائم التزوير في أصوات الناخبين لم تسلم منها مؤسسة الرئاسة لصالح الرئيس الذي كان يتقلد المنصب آنذاك قبل ثورة 25. يناير
يستخلص مما سبق أنه ليس هناك ما يمنع من قيام الشخص المعنوي بجرائم بصفة عامة ، وبأفعال الغش والجرائم الانتخابية بصفة خاصة مع بعض التحفظات التي ذكرناها، فهل هناك ما يمنع مساءلته ؟
ثانياُ : موقف التشريعات من ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم انتخابية
1- القانون الفرنسي
اذ ما ارتكب الشخص المعنوي جريمة انتخابية في نطاق القانون الفرنسي فإنه يلزم ان نفرق بين الاشخاص المعنوية العامة والاشخاص المعنوية الخاصة، فالدولة وهي شخص معنوي عام لا تسأل مطلقاً عن أي جريمة وفقاً لنص قانون العقوبات الفرنسي، ولذلك لا تسأل الوزارة المختصة عن أي قيد مخالف للقانون، كما لا تسأل وزارة الاعلام اذا استخدمت التلفزيون الحكومي للتأثير علي أصوات الناخبين. ولا تسأل الوحدات الاقليمية وتجمعاتها عن الجرائم المتعلقة بالانتخابات العامة لأن نشاطها هذا يتصل بامتيازات السلطة بوظيفة لا يمكن التفويض فيها.
أما بقية الاشخاص المعنوية العامة الاخري وكذلك الاحزاب السياسية والنقابات والاشخاص المعنوية الخاصة مثل الشركات والجمعيات، فإنها تسأل عن الجرائم ومنها الجرائم الانتخابية ولكن وفقاً للضوابط الآتية
أ‌) بالنسبة للاشخاص المعنوية العامة – باستثناء الدولة والوحدات الاقليمية – وكذلك الاحزاب والنقابات المهنية، لا توقع عليها عقوبة الحل ولا عقوبة الوضع تحت المرقبة القضائية (وفقاً لنص قانون العقوبات الفرنسي)، أما الاشخاص المعنوية الخاصة فتقبل أي عقوبة تتفق مع طبيعة الشخص المعنوي
ب‌) يجب أن يرتكب الجريمة شخص طبيعي يمثل أو يعمل أو يدير الشخص المعنوي، وان تكون الجريمة لحسابه ولصالحه. وان يتمتع الشخص بالشخصية القانونية. وأن يتصور وقوع الجريمة من الشخص المعنوي.
ت‌) أن يوجد النص القانوني أو اللائحي الذي يسند المسئولية للشخص المعنوي عن الجرائم الانتخابية
فالمسئولية الجنائية للشخص المعنوي في القانون الفرنسي محصورة في الحالات المنصوص عليها في القانون أو اللائحة، فليست كل الجرائم يسأل عنها الشخص المعنوي، فالمشرع الفرنسي جعل مسئولية الشخص المعنوي محكومة بمبدأ التخصص والذي يستلزم مطالعة نصوص قانون العقوبات والقوانين واللوائح المختلفة لتحديد الجرائم التي يسأل عنها الشخص المعنوي. ومنها بطبيعة الحال قانون الانتخاب الفرنسي.
ومن ذلك ما تقضي به المادة 97 من قانون الانتخاب الفرنسي بأنه " يعاقب كل من يؤثر في إقتراع معتمدا في ذلك علي أخبار كاذبة أو إشاعات أو أية طرق إحتيالية أخري علي نحو يؤدي بواحد أو أكثر من الناخبين إلي الإمتناع عن التصويت وذلك بالحبس لمدة سنة وغرامة مقدارها 15000 يورو "
بحسب نص هذه المادة يمكن إسناد المسئولية الجنائية للشخص المعنوي عن جريمة التأثير علي الناخبين وهي جريمة انتخابية، فقيام حزب أو جريدة باعطاء تبرعات عينية أو مالية لحمل الناخب علي التصويت لمرشح بعينه، أو قيام صحيفة بالترويج لمرشح بعينه وذلك من خلال نشر أخبار كاذبة تقوم به الجريمة المنصوص عليها في القانون الفرنسي.
2- القانون المصري
لم يقر المشرع المصري المسئولية الجنائية للاشخاص الاعتبارية أصلاً، وانما أقرها استثناءاً وفي جرائم معينة ليس من بينها الجرائم الانتخابية وان كان الواقع يشهد تدخلاً غاصباً من
أشخاص معنوية عامة وخاصة في العملية الانتخابية وارتكابها جرائم انتخابية.
ولقد تنبه المشرع الدستوري لتدخلات الدولة وأجهزتها في الانتخابات ونص في المادة 55 من الدستور المصري الجديد الصادر 2012 بأنه " ... وتكفل الدولة سلامة الإستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها، وتدخل أجهزتها بالتأثير في شئ من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون "
ويستخلص من النص أن المشرع الدستوري أقر المسئولية الجنائية لأجهزة الدولة عن التأثير علي سلامة الانتخابات والاستفتاءات، ويمكن رد كل الجرائم الانتخابية علي أنها أفعال تمس سلامة الانتخابات والاستفتاءات وبالتالي تدخل اجهزة الدولة علي نحو يشكّل جريمة انتخابية يكون محلاُ للمسئولية الجانئية بحسب القانون المنظم لذلك.
الفرع الثاني
كيفية مواجهة ارتكاب الشخص المعنوي للجرائم الانتخابية
لما كان من المتصور ارتكاب الشخص المعنوي جرائم انتخابية بحسب التحديد السابق، ولما كان المشرع المصري لا يقر مسئولية الشخص المعنوي جنائياً عن كافة الجرائم التي يتصور وقوعها من الشخص المعنوي، أو استثناءاُ عن الجرائم الانتخابية، فإن خير مواجهة لارتكاب الشخص المعنوي جرائم انتخابية هي بالمضي قدماً نحو اقرار المسئولية الجنائية للشخص المعنوي كأصل عام وهو ما نادي به الفقه المصري الحديث كثيراً ولازال ينادي به، وإقرار مسئوليته عن الجرائم الانتخابية التي يتصور وقوعها منه.
ولعله خيراً ان يبدأ المشرع العادي وهو بصدد إقرار المسئولية الجنائية للاشخاص الاعتبارية عموماً وعن الجرائم الانتخابية خصوصاً من حيث انتهي المشرع الدستوري والذي أحال في تحديد أركان وضوابط وعقوبات تدخل أجهزة الدولة في الانتخابات الي القانون أو التشريع العادي.
- خاتمة
لا يمكن بأي حال من الأحوال وبعد هذه الدراسة أن ينكر أحد القصور التشريعي الذي يوجد بالقانون المصري حول المسئولية الجنائية للشخص المعنوي عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوه أو من يعملون لحسابه وبأسمه، خاصة وان الجدل الفقهي بين مؤيد ومعارض تجاوز هذه المرحلة بعد الوضع الذي يتميز به الشخص المعنوي الخاص من قوة أقتصادية واجتماعية لا يستهان بها في مجال ارتكاب الجرائم التي من الممكن ألا يستطيع الافراد ارتكابها فرادي، ولذلك نجد أن كثير من التشريعات الاجنبية والعربية اتخذت من المسئولية الجنائية للاشخاص المعنوية مبدأً في تشريعاتها واستبعدت ما استبعدته من جرائم أو اشخاص غنوية بحسب سياستها التشريعية.
ندعو المشرع المصري إلي انتهاج منهج الدول التي أقرت هذا النوع من المسئولية، ونصيغ ملخص لعدد من الضوابط التي تعينه علي ذلك
1 - إقرار مبدأ مسئولية الشخص المعنوي جنائياً في صلب قانون العقوبات العام، ووضع شروط قيام المسئولية وموانعها والعقوبات التي تتماشي مع طبيعة الشخص المعنوي
2- ان يستبعد من نطاق هذه المسئولية الدولة مطلقاً، ويقصر المسئولية فيما يتعلق ببقيه الاشخاص المعنويه العامة علي الجرائم التي تتصل بأنشطتها، أما عداها فيسأل عنها الشخص الطبيعي الذي ارتكبها.
3 - أن يستثني الاشخاص المعنوية المسئولة جنائياً من الحل، وان كان يمكن خضوعها للاشراف القضائي.
4 - أن يستلزم أن يكون الشخص الطبيعي ممثل للشخص المعنوي بان يحتل موقع من مواقع اتخاذ القرار فيه، وأن ترتكب الجريمة لحسابه فإن كانت تضر به فلا يمكن نسبتها للشخص المعنوي الذي لم يفد منها.
5- أن يحدد في القسم الخاص من قانون العقوبات، والقوانين المكملة له كقسم جرائم الانتخاب في قانون مباشرة الحقوق السياسية أركان وضوابط كل جريمة علي حده وامكان نسبتها للشخص المعنوي، وذلك حتي لا يعوق الشخص المعنوي عن مباشرة دوره بنسبه أفعال له تتجافي مع طبيعته أو لا يتصور قيامه بها.
وفي ختام هذه الدراسة القصيرة التي اقتصرت صفحاتها علي عشر صفحات تعرض فيها للمسئولية الجنائية للشخص المعنوي وإمكان ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم انتخابية تحتاج مواجهة لانعكاسها علي المظهر الديمقراطي للبلاد، واتمني ألا أكون تعرضت بالشرح والتوضيح لأمور أو بنود كان يجب علي التزام الإيجاز فيها، أو أكون قد أوجزت أمور أو بنود كان ينبغي علي أن اتعرض لها بمزيد من الشرح والتوضيح، كما وأن البحث ليس علي درجة عالية من المنهجية الشكلية والتي تستلزم مقدمة بشكل معين أو هامش للتوثيق، وقد تعمدت ذلك لأنه معد وبالأساس لامتحان قانون العقوبات بدبلوم العلوم الجنائية – كلية الحقوق الجنائية – جامعة الإسكندرية.
- قائمة مراجع
1- أ.د أمين مصطفي محمد – قانون العقوبات القسم العام – دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية،2013.
2- د شريف محمد كامل – المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية دراسة مقارنة – دار النهضة العربية، القاهرة، 1997.
3- د عمر سالم -المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوي وفقاً للقانون الفرنسي الجديد-دار النهضة العربية، القاهرة، 1995.
4- أ.د علي عبد القادر القهوجي – شرح قانون العقوبات القسم العام – دار الجامعة الجديد، الإسكندرية،2010.
5- أ.د محمد زكي أبو عامر – قانون العقوبات القسم العام – دار الجامعة الجديد، الإسكندرية،2007.
6- د محمد عبد القادر العبودي – المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية في التشريع المصري "دراسة مقارنة" – دار النهضة العربية، القاهرة، 2005.

منقول : المصدر - https://www.facebook.com/center.research.legal/?fref=nf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحميل مئات الكتب القانونية: 379 كتاب في القانون المدني- تحميل مباشر

القانون المدني الفرنسي نسخة 2019

المنشورات والكتب الدورية للشهر العقاري